الإثنين, نوفمبر 17, 2025
spot_img
الرئيسيةتقدير موقف’’مجزرة حماة‘‘ لم تُمْحَ من ذاكرة السوريين

’’مجزرة حماة‘‘ لم تُمْحَ من ذاكرة السوريين

رغم بشاعة ما يفعله المجرم بشار الأسد

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_محمد_فاروق_الإمام_مجزرة_حماة_لم_تُمْحَ_من_ذاكرة_السوريين_رغم_بشاعة_ما_يفعله_المجرم_بشار_الأسد

تمر 42 عاماً على مجزرة حماة، التي تظل وصمة عار في تاريخ سوريا الحديث، حيث لا تزال أصداءها ماثلة في ذاكرة السوريين. أحداث هذه المجزرة، التي وقعت بين الثاني من شباط ومطلع آذار عام 1982، مثلت واحدة من أبشع عمليات القتل الجماعي التي شهدتها البلاد، حيث قُتل فيها آلاف المدنيين الذين عانوا من وحشية النظام آنذاك.

تأتي الذكرى لتذكّرنا بالمآسي التي عاشها أهل حماة تحت أفران الحرب، وذلك في إطار سياق أوسع من القمع والانتقام الذي لا يزال مستمراً حتى اليوم. يحاول الكثيرون استعادة تفاصيل تلك الأيام، إلا أن الحقائق الكاملة تبقى مغلفة بالغموض والخوف. تتناول هذه المقالة ما حدث، تسلط الضوء على وحشية المجزرة وتداعياتها، وتعرض مدى الأثر الدائم الذي تركته على المجتمع السوري، وصولًا إلى اللحظة الحالية.

تذكُّر مجزرة حماة ودلالاتها التاريخية

مَرّت 42 عاماً على مجزرة مأساة العصر في حماة، والسوريون يرددون أصداء المجزرة ويستعيدون أحداثها، ليس في ذكراها السنوية فحسب بل كلما شاهدوا أو سمعوا أو مَرّ على زوايا ذاكرتهم ما يثير الخوف والحزن والغضب، فذكراها تؤرق ليل ونهار السوريين رغم بشاعة ما يرتكبه مجرم الحرب بشار الأسد.

نعم، لن نبالغ في القول إن مجزرة حماة المُركبة التي هي مجموعة مجازر مخيفة ومرعبة تكاد أن تكون حاضرة في جٌلّ أيام السوريين يوماً بعد يوم.

ولعل جزءاً يسيراً من تفاصيل أحداث المجزرة المرعبة، التي امتدت على مدى 27 يوماً (منذ الثاني من شباط عام 1982م حتى مطلع آذار) ما يزال خافياً حتى اليوم؛ فالمدينة أُغلِقَت بالكامل بوجه المدنيين، وطُوِّقَت بالدبابات والمدرعات ومدفعيات الميدان، وحُوصرت بآلافٍ من جنود نيرون الشام حافظ الأسد الأب الذين لا يختلفون عن جنود الابن في الوحشية والإجرام.

إغلاق المدينة وعزلها بشرياً وإعلامياً عن محيطها، لم يكن السبب الوحيد في اختفاء ذلك الجزء من الأحداث، بل ساهمت أسباب عديدة أخرى في طمسها، ولعل أبرزها يتمثّل في تصفية من عاصرها داخل المدينة وكان شاهد العيان الوحيد عليها، وربما كان نفسه ضحية تلك التفاصيل الموغلة في وحشيتها، فاختفى معها تحت أنقاض حماة.

سياق الصراع السياسي في سوريا قبل المجزرة

’’إن القصة الحقيقية لِمَا جرى في شباط بمدينة حماة لم تُعرف بعد وربما لن تُعرف أبداً. مرّ شهران قبل أن تسمح (الحكومة السورية) للصحفيين بزيارة خرائب المدينة التي استمرت تحت قصف الدبابات والمدفعية والطيران ثلاثة أسابيع كاملة، لتمحى أحياء كاملة من المدينة القديمة‘‘.

منذ تسلّم حزب البعث السلطة في سورية، بعد انقلاب آذار 1963م، كانت غالبية المدن السورية تشهد بين الفينة والأخرى تظاهرات واحتجاجات وإضرابات، لأسباب مختلفة، إلا أن غالبيتها تمحورت حول إعلان حالة الطوارئ على البلاد بُعَيْدَ الانقلاب.

ولم تكن حماة بِمَعْزِلٍ عن حَراك المدن السورية، بل إن حراكها كان الأبرز من بين المدن الأخرى، ففي نيسان 1964م نفذّت المدينة إضراباً عاماً مصحوباً بمظاهرات حاشدة، للمطالبة برفع حالة الطوارئ، فكان الصدام الأول مع الجيش الذي قمع الاحتجاجات بوحشية وقصف المدينة بالمدافع.

الصدام الثاني جرى عام 1973م حين احتج الأهالي على مُسَوّدة دستور أزيل منها المادة التي تشترط أن يكون رئيس البلاد مسلماً، فخرجت مظاهرات حاشدة، لم تجبر النظام على إعادة المادة إلى الدستور فحسب بل وأجبرت حافظ الأسد على إشهار إسلامه أمام مفتي سورية آنذاك.

ولا شك بأن الواقعتين السابقتين، وعلى الأخص الثانية منهما، كان لها الأثر البالغ في نفسية المجرم حافظ الأسد، ولعلها ساهمت في تأجيج شعور طاغٍ بالانتقام الذي تجسّد لاحقاً في شباط 1982م.

وفي أواخر سبعينيات القرن الماضي، شكّل صعود جماعة ’’الإخوان المسلمين‘‘ وسطوع نجمها على الساحة آنذاك دوراً رئيساً في تأجيج الصدام مع نظام الطاغية، فنشاط الجماعة – المعارِضة والرافضة لنظام الأسد – وقوة تنظيمها، أخاف النظام وأرعبه، وقرر الطاغية المواجهة، فاختار الطاغية حافظ الأسد شقيقه رفعت ليكون السلاح الأنسب في تنفيذ معركته الانتقامية، وكان الأخير آمراً لأكثر من 15 ألف عسكري، يتبعون لأهم تشكيلات الجيش آنذاك، والمتمثلة في: سرايا الدفاع، وسرايا الصراع، ولواء دبابات، والقوات الخاصة، بالإضافة إلى مختلف عناصر الأجهزة الأمنية والمخابرات والشُّعَبْ الحزبية.

وصف الأحداث والجرائم المرتكبة خلال 27 يوماً

وبدأت خطة رفعت أسد في تطويق المدينة وإغلاق مخارجها وعزلِها بالكامل عن محيطها، وحين هبط الظلام على المدينة، في الثاني من شباط، كانت تشكيلات سرايا الدفاع أولى الفرق المنتشرة داخلها بالتزامن مع قطع الكهرباء وخطوط الهاتف، وابتداءً من الساعة التاسعة وقعت أحياء المدينة تحت رحمة الرصاص وقذائف المدفعية والراجمات، وكانت الليلة السوداء الأولى للمذبحة.

ومع فجر اليوم التالي الـثالث من شباط؛ كان حيّ (الحاضر) العريق في حماة الهدف الأول للراجمات التي نصبها النظام فوق أبنية ساحة العاصي مقابل الحي بذريعة تحصن الإرهابيين، ومع انتهاء نهار ذلك اليوم كان الحاضر – بأكمله – عبارة عن ردمٍ من الحجارة تعلوه سحابة سوداء.

من جهة أخرى، انتشرت باقي تشكيلات الجيش لتحتل شوارع وأحياء المدينة وتشّلها بالكامل، ثم بدأت المرحلة التالية المتمثلة بـ ’’تعفيش‘‘ المحال التجارية بمختلف محتوياتها، واستمرت مرحلة النهب والتعفيش إلى اليوم التالي أيضاً (4 شباط) حيث لم تسلم حتى دوائر الدولة والمصارف الحكومية من سرقة الأموال.

وشهد ذلك اليوم ما عُرف بمجزرة (حي حماة الجديدة)، حيث تم جمع سكان الحي داخل الملعب البلدي وأطلق عليهم النار من الرشاشات، ويقدّر الأهالي عدد ضحايا المجزرة بنحو 1500 شخص.

وفي صباح الـخامس من شباط (وكان يوم جمعة)، راحت أعداد الجنود تتضاعف داخل المدينة، ولاحظ الأهالي ارتداء كثيرين منهم دروعاً واقية وأقنعة بيضاء اللون، بالإضافة إلى ظهور عربات مصفحة صغيرة تسير مسرعة بين الأحياء.

وتجدد قصف المدافع والراجمات مستهدفة مختلف أحياء المدينة، إلا أن التركيز كان على منطقة (السوق) حيث تهدمت معظم البيوت، فلجأ من بقي حياً من أصحابها إلى الأقبية.

وعند منتصف النهار، أعلن البدء بالذبح الجماعي، وكانت البداية مع العائلات المحتمية داخل الأقبية، وبالكامل، ولتستمر بعدها المجازر دون توقف، وبصورة متزامنة داخل الأحياء، لدرجة أن الناس لم تعد تستطيع التفريق بين مجزرة حيّ وآخر.

المجازر التي تعرضت لها المدينة

ومن بين عشرات المجازر التي تعرضت لها المدينة خلال أيام الحملة، سنمرّ على الأكثر وحشية والأعمق أثراً:

مجزرة حي البياض: قتلت قوات النظام نحو 50 شخصاً لعدم تمكنها من حشرهم داخل ناقلات الاعتقال الممتلئة، ورمت بجثثهم داخل حوض لِمُخَلّفات معمل بلاط.

مجزرة حي الدّباغة: قتل فيها 25 شخصاً (6 عائلات كاملة) داخل منشرة أخشاب ثم تم إحراق المنشرة وهم بداخلها.

مجزرة حي الباشورة: وقتلت فيها قوات النظام عائلات بأكملها أيضاً: 39 سيدة وطفل بينهم 3 رجال من عائلة المشنوق، 11 شخصا من عائلة الدباغ، عائلة الموسى (21 شخصاً)، عائلة الكيلاني (4 أشخاص)، وعائلة طنيش والتركماني وصبحي العظم، بالإضافة إلى نحو 40 شخصاً من عائلات متفرقة قتلوا في مسجد الخانكان والثانوية الشرعية.

مجزرة حي الشمالية: ولم تعرف الأعداد بشكل دقيق حتى اللحظة، إلا أن الأهالي يقدرونهم بأكثر من 200 شخص تم إعدامهم داخل الأقبية، ومن بينهم عائلات كاملة: آل الزكار وآل كامل وآل عصفور.

مجزرة مقبرة سريحين: وهي من أبشع المجازر الجماعية بحماة، حيث ذهب ضحيتها أعداد كبيرة من الرجال والنساء والأطفال لم يتم حصر أعدادهم أو معرفة أسمائهم جميعاً. فبعد أن أحضرت قوات النظام مئات الأشخاص، على دفعات، من مختلف أحياء المدينة، أطلقت عليهم النار وألقت بجثثهم في خندق كبير.

مجزرة المكفوفين (أو ما يطلق عليها مجزرة العميان): اقتحم عناصر سرايا الدفاع مدرسة للمكفوفين في منطقة المحطة، ويشرف على التدريس فيها شيوخ مكفوفون كبار في السن، أقدم العناصر على حرقهم بعد أن أجبروهم على الرقص ثم أطلقوا عليهم النار مع قسم من طلابهم.

مجزرة عائلة المفتي: أحرق العناصر مفتي حماة، الشيخ بشير المراد، حياً، بعد أن سحبوه خارج المنزل على الأرض، وقتل معه 9 من أفراد عائلته.

مجزرة الأطفال: داخل (الجامع الجديد) عند (سوق الطويل)، وقعت المجزرة بعد مضي نحو أسبوعين على الحملة، وأثناء ذلك كان الناس قد بدأوا بالخروج بصورة محدودة في بعض المناطق.

وقفت سيارات بيع الخبز عند طرف الشارع، فطلب العناصر من الأهالي التوجه لجلب الخبز، وكالعادة أرسل الأهالي أطفالهم (أكثر من 20 طفلاً) لإحضار الخبز، ولدى عودتهم أوقفهم العناصر وطلبوا منهم الدخول إلى الجامع، ثم أطلقوا عليهم النار.

مجزرة الفتيات: كان العناصر يداهمون الملاجئ والأقبية بصورة متكررة، ويسحبون فتيات صغيرات، ثم يخرجون بهم لتنقطع أخبارهم بعد ذلك، وبعد انتهاء الحملة عثر الأهالي في (حمّام الأسعدية) على عشرات الجثث لفتيات معتدى عليهن.

هذا بالإضافة إلى مجازر عديدة أخرى، كمجزرة المشفى الوطني والجثث المقطعة بالسواطير داخله، ومجزرة معمل البورسلان الذي احتجزوا فيه آلاف المدنيين وتم قتل العديد منهم.

تأثير المجزرة على المجتمع السوري والعربي

قدرت اللجنة السورية لحقوق الإنسان أعداد القتلى بين 30 و40 ألفاً، غالبيتهم العظمى من المدنيين، وقضى معظمهم رمياً بالرصاص بشكل جماعي، ثم تم دفن الضحايا في مقابر جماعية.

وتشير تقارير إلى اختفاء نحو 10-15 ألف مدني منذ وقوع الأحداث، ولا يُعرف إن كانوا أحياء في السجون العسكرية أم لقوا حتفهم.

كما اضطر نحو 100 ألف نسمة إلى الهجرة عن المدينة بعد أن تم تدمير ثلث أحيائها تدميراً كاملاً، وتعرضت أحياء عدة؛ وخاصة في قلب المدينة الأثري إلى تدمير واسع، إلى جانب إزالة 88 مسجداً وثلاث كنائس ومناطق أثرية وتاريخية نتيجة القصف المدفعي.

كيف أثّرت أحداث حماة على الحراك الثوري السوري الحالي

وتكاد لا تخلو أسرة في مدينة حماة إلا وفقدت أباً أو ابناً أو ابنة أو أخا أو أماً أو زوجة، يضاف إلى ذلك نقمة النظام وغضبه المستدام على أبناء المدينة منذ تلك الأيام، وتذكيره المستمر لهم بأحداثها بالرغم من عدم نسيانهم لها، كما لعبت تلك الأحداث ووحشيتها دوراً رئيساً في منع أبناء حماة من الاستمرار واللحاق بركب المدن الثائرة بعد مرور أشهر معدودة على ثورة آذار 2011م.

ولمعرفة حجم وهول مجزرة حماة، يكفي المرء حين يستمع لأهالي المدينة وهم يتحدثون عن سيرة ما، كولادة شخص مثلاً، أو وفاة آخر، أو زواج فتاة، ثم يذكرون تاريخ الحدث بالقول إنه وقع قبل الأحداث أو بعدها، بزمن معين، فقد أصبحت هذه المجزرة في عقول الناس خالدة لا تنسى ذكراها في مخيلة السوريين لبشاعتها، ونذالة وإجرام من ارتكبها.

المصدر

سورية  – 2/2/2021م.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تقدير_موقف_محمد_فاروق_الإمام_مجزرة_حماة_لم_تُمْحَ_من_ذاكرة_السوريين_رغم_بشاعة_ما_يفعله_المجرم_بشار_الأسد

مقالات ذات صلة