الإثنين, نوفمبر 17, 2025
spot_img
الرئيسيةتحليل سياسيقراءة في كتاب ’’كيف لم أَعُدْ يهودياً‘‘

قراءة في كتاب ’’كيف لم أَعُدْ يهودياً‘‘

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_ قراءة_في_ كتاب_كيف_لم_أَعُدْ_يهودياً

تُعَدُّ الكتب والمقالات التي تتناول القضايا الفكرية والسياسية من المصادر الهامة التي تُسهم في تشكيل وعينا الجماعي وفهمنا للتاريخ والمجتمع. في هذا السياق، يأتي كتاب “كيف لم أَعُدْ يهودياً” للكاتب محمد فاروق الإمام، ليكون مصدرًا غنيًا للتحليل السياسي والاجتماعي. يتناول هذا الكتاب التحولات الفكرية والدينية، مركِّزًا على مفهوم الهوية وكيف يتحول الأفراد في قناعاتهم تجاهها.

يتناول هذا المقال الجوانب الأساسية التي يناقشها الكتاب وأثرها على مسألة الهوية في العالم المعاصر. سنستعرض في الفقرات التالية أبرز محاور الكتاب، وسنتناول كيف يمكن تطبيق تحليلاته في فهم السياقات السياسية الراهنة وتحولات الفكر العربي.

أهمية الكتاب وأهدافه:كيف لم أَعُدْ يهودياً

إن “كيف لم أَعُدْ يهودياً” ليس مجرد كتاب؛ بل هو دعوة للتفكير النقدي في المسائل المعقدة المرتبطة بالهوية، الدين، والسياسة، مما يجعل قراءته ضرورة لكل مهتم بالدراسات الاستراتيجية والسياسية.

كتاب البروفيسور شلومو ساند ’’كيف لم أَعُدْ يهودياً‘‘ هو الكتاب الأخير للثلاثية التي بدأها بكتاب ’’اختراع الشعب اليهودي‘‘ وثانيها كتاب ’’اختراع أرض إسرائيل‘‘، وهذه المجموعة من الكتب في حقيقة الأمر هي سهام نارية يوجهها ساند على مجموعة كبيرة من المُسَلَّمَات الصهيونية الصنميّة الكاذبة.

ويشكل هذا الكتاب الذي بين أيدينا جزءاً أخيراً من ثلاثية يعرض من خلالها المؤلف إعادة نظر جذرية في عدّة مُسَلَّمَات صهيونية صنميّة كاذبة، بواسطة إخضاعها إلى محاكمة تاريخية صارمة، وإن محاولة حسم الصراع عَبْرَ معركة يهودية الدولة هو الشغل الشاغل لليمين الإسرائيلي المتطرف هذه الأيام.

المفكر الإسرائيلي شلومو ساند قام بتفكيك ودحض الرؤية الصهيونية من خلال كتابيه ’’اختراع الشعب اليهودي‘‘ و’’اختراع أرض إسرائيل‘‘ ثم أتبعهما بكتاب ثالث هو ’’كيف لم أَعُدْ يهوديا‘‘ الذي سأعرض أهم أفكاره كرد على مشروع قرار يهودية الدولة الذي يناقش الآن في إسرائيل.

يرفض الصهيونيون (اليمين الجديد) في بداية القرن 21 في إسرائيل وخارجها رفضا باتا الاعتراف بقومية إسرائيلية مدنية، ولا يعترفون سوى بالقومية اليهودية التي لا يمكن الانضمام إليها سوى بطريقة واحدة ووحيدة، هي أن يكون ابناً لأم يهودية أو الخضوع لإجراءات التهود الطويلة والمؤلمة، وفق أحكام الشريعة اليهودية حتى لو كان علمانيا وملحدا.

الإطار الفكري للهوية

ويضيف ساند: أولا، لكي تبرر الصهيونية استيطانها في فلسطين كان يتعين عليها الاستناد إلى (التوراة – الكتاب القديم) الذي اعتبرته بمثابة صك الملكية القضائي على الأرض.

وثانيا لكي تؤكد ’’حقوقها التاريخية‘‘ رسمت تاريخ الجاليات اليهودية المختلفة…كرواية سردية خطية عن شعب عرقي يزعم بأنه طُرِدَ من وطنه بالقوة وبأنه ظل محافظا على وجوده المستقل دون اختلاط ومصاهرة بأحد، وظل يتوق إلى العودة إلى أرض الأجداد طوال ألفي عام.

وقد استنبطت الصهيونية العلمانية الأسطورة الدينية حول نسل إبراهيم والأسطورة المسيحية حول الشعب الملعون والمُهَجّر، الذي طُرِدَ بجريرة خطاياه، ونجحت في أن تنحت من كلتيهما إثنوقراطية لم يستطع زيفها الواضح النيل منها، وأنتجت بالتالي ثقافة جديدة مهيمنة فكريا وسياسيا بالاستناد لأداتين هما جهاز التعليم والجهاز العسكري.

لقد جرى تركيب الرغبة الجامحة بالحصرية اليهودية على جريمة الإبادة النازية، حين ركزت على إيصال ألم الماضي إلى حده الأقصى لتحقيق أقصى ما يمكن من الكسب السياسي والاقتصادي، فقد تم إخفاء جميع الضحايا الآخرين والذين يُقَدّر عددهم بـ 5 ملايين أبادهم النازيون مع الـ 6 مليون يهودي.

ويستعرض ساند مفارقة متناقضة أخرى بالقول: كما أن صورة اليهودي السلبية في الماضي وبخاصة عندما قدمتهم القوميات المعادية للسامية وبخاصة هتلر الذي حافظ على نقاوته الوراثية السلبية والمشوهة كانت كاذبة، فإن صورة الأخلاق اليهودية الإيجابية والنبيلة أسطورة مفبركة تفتقر إلى أي إسناد تاريخي علمي.

تحول الهوية الدينية

من هو اليهودي:

’’يُعتبر الشخص يهوديا بسبب الجوهر الأبدي الكامن في شخصيته الفريدة والغامضة، فالهوية اليهودية تأسست على ماضٍ ميت فقط. وعرّفت الصهيونية اليهود على أنهم شعب من أصل واحد أي عرق واحد، وحاولت التأكيد على النقاوة الوراثية عبر الحمض النووي والبصمة لكنها فشلت فشلاً ذريعا.

الصهيونية تخشى من ذوبان اليهود في غير اليهود، لذا فقد منعت الدولة فور قيامها الزواج المدني ولا يُسمح إلا بالزواج الديني، ولا يجوز تبنّي زوجين يهوديين لطفل غير يهودي إلا بعد جعله يهوديا، منذ الثمانينيات من القرن الماضي ثمة تشديد على أن إسرائيل دولة يهودية، دولة لليهود فقط ونظرت لغير اليهود باعتبارهم خطراً يهدد الوجود اليهودي‘‘.

ويجري ساند مقارنة مع تجارب أخرى، فإذا قررت الولايات المتحدة أنها دولة (أنجلو – سكسونية – بروتستانتية) فماذا سيكون مصير الآخرين بما في ذلك اليهود.

وإذا قررت فرنسا تعديل دستورها وعرّفت البلاد على أنها دولة كاثوليكية ولا يجوز بيع أراضيها لغير الكاثوليك وأن مواطنيها البروتستانت والمسلمين واليهود لا يتمتعون بحق الاقتراع والترشح للانتخابات ماذا سيحدث لفرنسا؟ وماذا لو فعلت المملكة المتحدة وإسبانيا الشيء ذاته؟ ويتساءل ساند: ألا يتطابق وضع اليهودي في دولة إسرائيل في العقد الثاني من القرن الـ 21 مع البِيضْ في جنوب الولايات المتحدة في الخمسينيات من القرن 20، ومع الفرنسيين في الجزائر قبل 1962م والجنوب الإفريقي قبل العام 1994م.

ويتساءل ساند: هل اليهودية نادٍ حصري مغلق يتم اختيار البشر وفقاً لأصلهم، ولا يوجد اختيار طوعي حر، وبهذا المعنى لا توجد يهودية علمانية داخل وخارج إسرائيل؟

ويُضيف قائلاً: أن تكون يهودياً يعني أن تتمتع بامتيازات لا يتمتع بها غير اليهود، يستطيع اليهودي أن يمتلك الأرض، ويقيم بؤرة استيطانية في أرض غير اليهود، وأن يكون وزيراً للخارجية ويعيش في مستوطنة غير قانونية بحسب القانون الدولي، وكل هذا التمييز لا يمكن تسميته إلا عنصرية مقيتة وغير مقبولة.

وهناك أكثر من 60% – من نسل اليهود الأمريكيين، ونسبة ليست أقل من نسل اليهود الأوروبيين يتزوجون من غير اليهود.

وبمفهوم المتعصبين للدولة اليهودية فإن كل من يتزوج أو تتزوج من غير اليهود إنما ينضم للملايين الستة (ضحايا النازية).

لا يمكن تسمية صيانة الهوية اليهودية وكبح العلاقات الإنسانية أو الحب بين البشر إلا عنصرية، وبناء هوية بوساطة التجنيد الدائم لصدمة في الماضي لا يمكن رؤيتها إلا بوصفها حالة مرضية تلحق أشد الأذى والخطر بالأفراد والجماعات التي تأخذ بها طوعاً أو كرها.

ثم يصل شلومو ساند إلى النتيجة التالية: أرى من واجبي الأخلاقي الانفصال نهائيا عن اليهودية المتمركزة حول ذاتها القبلية.

الهوية والسياسة

ويقول ساند: إن العنصرية موجودة في كل مكان تقريبا، لكن في إسرائيل العنصرية بنيوية بروح القوانين، وتُدَرَّس في جهاز التربية والتعليم ومنتشرة في وسائل الإعلام، وتُطَبَّق على الفلسطينيين بشكل سافر. والأمر المُرَوّع أكثر أن العنصريين في إسرائيل لا يعرفون أنهم كذلك ولا يشعرون بوجوب الاعتذار.

وتُشَكّل إسرائيل نموذجا يُحتذى به في نظر معظم حركات اليمين المتطرف في أنحاء العالم والتي كانت معادية للسامية.

عنصرية إسرائيل بُنِيَت على أساطير كوجود شعب في مرحلة تاريخية لم تشهد فيها ولادة الشعوب بعد، ونَفي هذا الشعب مع وجود دلائل على عدم النفي، وإنكار التهود الطوعي وبالقوة (إنكار دولة الخزر ومملكة حدياب ومملكة حمير والبرابرة المتهودين في شمال إفريقيا)، وإنكار أن أصل معظم يهود أوروبا الشرقية بما في ذلك أوكرانيا وروسيا متسلسل من قبائل عاشت تحت حكم الإمبراطورية الخزرية.

وهذا يقود إلى أن الأصل المؤكد لمُحْتَلِّي القدس ومُشَيِّدي المستوطنات هو تلك القبائل الخزرية وليسوا من ذرية مملكة داود وسليمان، وهؤلاء حقيقة جاءوا كمستعمرين ومارسوا أبشع أشكال النهب والقهر المغطى بأمر إلهي وصك ملكية غير قابلة للنقاش.

الصهيونية تعيد إنتاج مملكة صليبية جديدة استعراقية منعزلة في قلب الشرق، هذه المملكة يكتنف مستقبلها الشك كما يختتم شلومو ساند الذي لم يعد يهوديا.

لقد شاهدنا في الجزء الأول من الكتاب انصباب جهد ساند على تفكيك أراجيف متعلقة بإعادة كتابة وقائع الماضي اليهودي من طرف ’’كُتّاب أكفاء‘‘ عكفوا على تجميع شظايا ذاكرة يهودية خرافية، واستعانوا بخيالهم المُجنّح كي يوجدوا، بواسطة هذه الشظايا، شجرة أنساب متسلسلة لـ ’’الشعب اليهودي‘‘.

وفي الجزء الثاني انصرف جهد ساند نحو تفكيك أراجيف متعلقة بتوكيد صلة هذا ’’الشعب اليهودي‘‘ المختلـق بفلسطين، والتي تم اختراع اسم لها هو ’’أرض إسرائيل‘‘، في سبيل إثبات تلك الصلة، وجرى استخدامه كأداة توجيه ورافعة للتخيُّل الجغرافي بشأن الاستيطان الصهيوني؛ منذ أن بدأ قبل أكثر من مئة عام.

الآثار الاجتماعية والثقافية

وفي سياق ذلك قام الكاتب بتقويض أسطورة كون ’’أرض إسرائيل‘‘ الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وأثبت أن الحركة الصهيونية هي التي سرقت هذا المصطلح ’’أرض إسرائيل‘‘ وهومصطلح  ديني في جوهره، وحولته إلى مصطلح جيوسياسي، وبموجبه جعلت تلك ’’الأرض‘‘ وطن اليهود، وذلك منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

وفي هذا الكتاب يسلسل ساند العوامل والأسباب التي تجعله يقرّر أن يكفّ عن كونه يهودياً، مشيراً على وجه الخصوص إلى أن التزوير وعدم الاستقامة والتبجّح؛ صفات محفورة عميقاً في جميع أشكال تعريف اليهودية في دولة إسرائيل، وإلى أن تعريف الدولة بـأنها يهودية، عوضاً عن تعريفها بأنها ’’إسرائيلية‘‘، ليس تعريفا غير ديمقراطي فحسب، وإنما أيضاً يشكل خطراً على مجرد وجودها وبقائها.

في هذا الإطار يُركّز الكاتب على أن ثمة علاقة وثيقة بين تعريف اليهود كشعب وبين سياسة دولة إسرائيل، سواء حيال مواطنيها الذين لا يعتبرون يهوداً، أو حيال مُهاجري العمل الذين قدموا إليها يائسين من شواطئ بعيدة، أو حيال جيرانها مسلوبي الحقوق الواقعين تحت وطأة احتلالها المستمر منذ نحو خمسين عاماً.

ويلفت شلومو ساند إلى أنه من الصعب التنكر لحقيقة جارحة ومؤلمة فحواها أن تنمية هوية يهودية لا دينية، تشجع على التمسك بمواقف عرقية (متمحورة حول العرق)، عنصرية أو شبه عنصرية، لدى أوساط عديدة واسعة في إسرائيل وفي خارجها على حد سواء، بالإضافة إلى هذا ثمة علاقة وطيدة بين فهم اليهودية كهوية أبدية لا تاريخية، وبين الدعم الجارف الذي يبديه جزء كبير ممن يعتبرون أنفسهم يهوداً لسياسة الإقصاء البنيوية، التي ينطوي عليها مجرد تعريف دولة إسرائيل لذاتها، ولسلطة الاحتلال المتواصل في مناطقها.

قراءة نقدية

ويرمي شلومو ساند من خلال هذا الكتاب إلى دحض مفهوم اليهودية العلمانية الذي كرّسته الصهيونية، إلى جانب تفنيد مفهوم الانتماء الإثني الواحد لليهود، وفي هذا الإطار يشدّد على أنه لا وجود قطّ لـ ’’ثقافة يهودية علمانية‘‘، نظراً إلى غياب أي لغة مشتركة أو نمط حياة مشترك بين اليهود العلمانيين، وانعدام أي أعمال فنية أو أدبية يهودية علمانية، على الرغم من أنه بالإمكان التعرّف على ملامح ثقافة علمانية يهودية في فكر كارل ماركس وألبرت أينشتاين وسيغموند فرويد مثلاً، غير أنّ هؤلاء عبّروا عنها انطلاقاً من ثقافاتهم الخاصّة، ولم يضعوا أي أسس لـ ’’فكر يهودي علماني‘‘، وأنّ التوفيق ما بين العلمانية والانتماء إلى اليهودية أمرٌ مستحيل، وقد ينطبق هذا الأمر على سائر الأديان أيضاً.

ويستعرض ساند أصول الديانة اليهودية والجذور التاريخية لـحياة اليهود في أوروبا، ثم يتوقف عند الممارسات العنصرية في إسرائيل ضدّ العرب الفلسطينيين على وجه الخصوص، وعند موجات التهويد التي لا تنبع من إيمان ديني راسخ، بل تهدف إلى الوقوف في وجه الفلسطينيين لأنّ ’’المرء كي يكون يهوديّاً في إسرائيل، عليه قبل أي شيء ألّا يكون عربيّاً‘‘. ويتساءل: في ظل هكذا ظروف، كيف يستطيع شخص ليس مؤمناً متديّناً، بل إنسان ديمقراطي أو ليبرالي يتمتّع بحدٍّ أدنى من النزاهة، أن يستمرّ بالتعريف عن نفسه على أنّه يهودي؟

المراجع

 – مدار – المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية.

 – سما الإخبارية – 2/12/2014م.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_محمد_فاروق_الإمام_ قراءة_في_ كتاب_كيف_لم_أَعُدْ_يهودياً

مقالات ذات صلة