الإثنين, نوفمبر 10, 2025
spot_img
الرئيسيةتحليل سياسيسوريا الممكنة

سوريا الممكنة

(استشراف المستقبل في ضوء السُنن القرآنية)

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_أحمد_الحاجي_سوريا_الممكنة_استشراف_المستقبل_في_ضوء_السُنن_القرآنية

تعيش سوريا في مرحلة حساسة من تاريخها، حيث تتداخل التحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية لتشكل مشهدًا يتسم بالغموض والتعقيد. ولكن، في خضم هذه الأزمات، يبقى الأمل قائمًا من خلال استشراف سنن الله في التاريخ التي تقدم لنا دروسًا قيمة. يركز المقال على ثلاث سنن رئيسية: سنّة التدافع، وسنّة التداول، وسنّة التمكين، التي تتفاعل في إطار هذا التحول التاريخي.

من خلال تحليل هذه السنن، يمكننا فهم كيفية تحويل الأزمات إلى فرص، وإعادة بناء الوطن من خلال رؤية شاملة تجمع بين الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي. إن ما تمر به سوريا اليوم ليس نهاية المطاف، بل بداية جديدة يمكن أن تُكتب بوعي وإرادة الشعب، مما يتيح لها استعادة مكانتها كدولة فاعلة في المنطقة.

من الأزمة إلى الأمل السنني: استشراف مستقبل سوريا 

تمر سوريا بمنعطف تاريخي بالغ الخطورة، حيث تتقاطع التحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية في لحظة انتقالية لم تتبلور معالمها بعد. ورغم تشظي المشهد، فإن القرآن الكريم يفتح لنا أفقًا للاستشراف يقوم على السنن الربانية التي لا تتغير بتغير الأمم: سُنّة التدافع، وسُنّة التداول، وسُنّة التمكين.
وهي سنن لا تتعامل مع التاريخ كمصادفة، بل كقانون حضاري صارم يخضع للوعي، والإرادة، والعمل.

أولا- سُنّة التدافع واستمرار الحيوية التاريخية:

{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: 251]

سُنّة التدافع ليست فتنة عبثية، بل آلية ربانية تضمن استمرار الحيوية في الاجتماع البشري، وتمنع احتكار القوة والحق من طرف واحد. وفي السياق السوري، فإن استمرار التحديات الداخلية والخارجية هو وجه من وجوه التدافع، لكنه لا يتحول إلى خراب شامل إلا إذا غابت الرؤية وتوقفت المبادرة.

فما نراه من صراع في سوريا بين مشاريع الهيمنة الإقليمية، والتدخل الدولي، والانقسام الداخلي، ينبغي أن يُقرأ بوعي سنني: وما لم يتحول هذا التدافع إلى تنافس مشروع على الإصلاح والبناء، فسيتحول إلى استنزاف شامل للطاقة الوطنية.

ثانيا- سُنّة التداول وتغير مواقع النفوذ:

{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]

لا بقاء لموقع سياسي جامد، ولا حتمية لانتصار دائم.
فالمشهد السياسي والعسكري في سوريا مرّ بمراحل متناقضة بين تمكين وانكفاء. وتُظهر سُنّة التداول أنّ من لم يطوّر أدواته، ويتجاوز أخطاءه، ويجدد مشروعيته، سيكون على موعد مع التراجع. والمطلوب اليوم ليس فقط تغيير المواقع، بل ترشيد التداول، عبر مشروع إصلاحي داخلي يعيد الثقة، ويجدد العقد السياسي وفق الرؤية الحضارية الإسلامية التي تربط السلطة بالكفاءة والمصلحة العامة، لا بالغلبة أو الشعارات.

ثالثا- سُنّة التمكين وشرائط النهوض:

{الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ…} [الحج: 41]

التمكين لا يأتي جُزافًا، بل هو ثمرة العمل الصالح، وإقامة العدل، وصيانة القيم، وبناء الإنسان.
والمشروع التمكيني في سوريا يجب أن يكون جامعًا بين:

1-إصلاح سياسي يربط الشرعية بالرضا الشعبي

2-مشروع اقتصادي يحقق الاكتفاء ويحرر الإرادة

3-رؤية ثقافية تدمج الأصالة بالحداثة والشريعة بالواقع

4-استقلال استراتيجي يعيد القرار الوطني إلى الداخل

رابعا- أسباب الإمكان في الواقع السوري:

رغم تعقيدات الواقع، توجد أربعة أسباب كبرى تُنبئ بإمكان الخروج من الأزمة:

1-الجغرافيا والموارد: موقع استراتيجي وموارد طبيعية نادرة.

2-العنصر البشري: نسبة الشباب مرتفعة، والشتات السوري يحتوي طاقات علمية واقتصادية ضخمة.

3-الإرهاق الدولي: الأطراف الدولية بدأت تعيد حساباتها بسبب كلفة التدخل وطول أمد النزاع.

4-مرونة البنية الاجتماعية: رغم التشظي، لا تزال سوريا تملك نسيجا يمكن ترميمه.

هذه العناصر تُشكّل رصيدًا استراتيجيًا يسمح باستشراف تحول نوعي إذا توفرت النية السياسية والرؤية الجامعة.

خامسا- سنن البقاء والفناء بين القرآن والواقع:

القرآن يُرشدنا إلى سنن البقاء والفناء، ليس على مستوى الأفراد فقط، بل على مستوى الجماعات والدول:

1-{إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81]

2-{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً} [الأنعام: 44]

إنَّ بقاء سوريا كدولة فاعلة لا يتحقق بالبنية الصلبة وحدها، بل يحتاج إلى مراجعة الرؤية الأخلاقية والسياسية. فالفساد، وظلم الإنسان، وغفلة القرار، كلها عوامل تسرّع الانهيار ولو امتلكت الدولة وسائل القوة.

من الاستشراف إلى الاستحقاق:

إنّ سوريا، بكل ما مرّت به من آلام واختبارات، لم تفقد بعد أهليتها للبعث، ولا قدرتها على النهوض.
فالأمم التي تمتلك وعياَ بسنن الله في التاريخ، وإرادة في تجاوز محنها، هي الأمم التي تستطيع أن تحول الجراح إلى بذور رجاء، والرماد إلى شعلة بناء.

وما نعيشه اليوم ليس نهاية قصة، بل مقدمة فصل جديد يمكن أن يُكتب بإرادة الحكماء، وهمة النخب، وبصيرة القيادة، ومشاركة المواطن. واستشراف المستقبل لا يكون بالتنجيم، بل بالاستحقاق.
ومن وعى سُنن التدافع والتداول والتمكين، وامتلك مشروعًا وطنيًا جامعًا، قادرٌ – بإذن الله – أن يصوغ مستقبلًا لسوريا تُحترم فيه إنسانية الإنسان، وتستعاد فيه سيادة القرار، ويُكتب فيه للتاريخ صفحة مضيئة بعد سنوات الرماد. {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ…}[النور: 55]

___________

أ.أحمد الحاجي: كاتب وباحث في السياسية الشرعية.

هذا التحليل السياسي يُعَبِّرُ عن رأي كاتبه ولا يُعَبِّرُ بالضرورة عن رأي الموقع.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_أحمد_الحاجي_سوريا_الممكنة_استشراف_المستقبل_في_ضوء_السُنن_القرآنية

مقالات ذات صلة