الأحد, يناير 26, 2025
spot_img
الرئيسيةمقالات سياسيةنضال السوريين ضد الاستعمار الفرنسي:الذاكرة الوطنية

نضال السوريين ضد الاستعمار الفرنسي:الذاكرة الوطنية

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_هيثم_المالح_نضال_السوريين_ضد_الاستعمار_الفرنسي_الذاكرة_الوطنية

في طيات الذاكرة الوطنية سورية تخلد نضالاً طويلاً ضد الاستعمار الفرنسي، تمحور حول الكتلة الوطنية التي ضمت شخصيات بارزة مثل هاشم الأتاسي وشكري القوتلي. ومع انسحاب القوات الفرنسية، بدأت تجربة ديمقراطية، لكنها سرعان ما تعثرت بسبب الانقلابات العسكرية المتكررة، بدءًا من انقلاب 1949 بقيادة حسني الزعيم. شهدت البلاد سلسلة من الانقلابات والصراعات السياسية التي أدت إلى هيمنة حزب البعث، والذي سعى جاهدًا إلى محو ذاكرة القادة الوطنيين الذين ساهموا في الاستقلال. على الرغم من تضحيات هؤلاء القادة، أصبح من الصعب تذكرهم، بينما تصدرت شخصيات جديدة المشهد السياسي. يتناول هذا النص تأثير هذه الأحداث على الذاكرة الوطنية والتحديات التي تواجه المناضلين الحقيقيين في سورية.

في طيات الذاكرة الوطنية

قاد زعماء سوريون نضالاً صعباً وطويلا ضد الاستعمار الفرنسي تَجَسَّدَ في (الكتلة الوطنية) التي ضمت شخصيات معروفة من أمثال هاشم الأتاسي وشكري القوتلي وسلطان باشا الأطرش وصالح العلي وغيرهم الكثير، وبدأت سورية تجربة ديمقراطية بعد انسحاب الجيوش الفرنسية منها، ولم يكمل أول مجلس للنواب مدته فوقع الانقلاب الأول عام 1949م بقيادة الضابط حسني الزعيم وبتدبير من السفارة الأمريكية في دمشق، وكان من مهام زعيم الانقلاب إجراء مفاوضات – هي الأولى من نوعها – مع الكيان الصهيوني في فلسطين، وتوقيع اتفاقية التابلاين، واستمر هذا الحكم أربعة أشهر ونصف انتهت بمقتل صاحب الانقلاب ورئيس وزرائه حسني البرازي، وتتالت الانقلابات حتى مطلع عام 1954م حين استقال رئيس الجمهورية أديب الشيشكلي الذي وصل إلى الحكم بانقلابين عسكريين .

الانقلابات العسكرية

صراع القوى اليسارية

أعقب ذلك صراع مرير بين القوى اليسارية في سورية مما دفع بعض ضباط الجيش لطلب الوحدة بين مصر وسورية من الرئيس عبد الناصر للخلاص من الوضع الذي كانت تعيش فيه البلاد، واشترط عبد الناصر لإبرام الوحدة حل الأحزاب السياسية وتم له ذلك، ولم تدم الوحدة طويلاً فوقع انقلاب عسكري أواخر عام 1961م مما أدى لانفصال البلدين ولكنه لم يؤد للاستقرار، ووقع في الثامن من آذار عام 1963م انقلاب مَهَدَّ لِحُكْمِ حزب البعث.

حكم حزب البعث

تهميش القادة الوطنيين

أنَّ ما ميز الانقلابات العسكرية جميعا وما تلاها من حكم حزب البعث هو محاولة مسح الذاكرة الوطنية للسوريين عن طرق متعددة من تهميش القادة الوطنيين _والتضييق على القادة والشخصيات العامة الوطنية بالاعتقال والطرد من البلاد والاغتيال وممارسة سائر الوسائل من أجل إبعادهم عن الحياة السياسية والاجتماعية، وتَعمَّد حُكْمُ البعث نسيان الجميع وعدم الإشارة إلى أي واحد من هؤلاء القادة الذين إما كانوا قادة الاستقلال أو ما بعده ومنهم من سُجِنَ فمات بالسجون والمعتقلات أو في المنافي والمَهَاجر .

فقط سمح حزب البعث بأن يُدْفَنَ الرئيس المرحوم شكري القوتلي، في مدفنه في باب الصغير بدمشق، عقب وفاته ببيروت (لبنان)، أما الآخرون فلم يأت على ذكرهم إعلام بكافة أشكال الإعلام ولا حتى على تدريس حياتهم في المدارس، فالرئيس ناظم القدسي مات في عمّان ودُفِنَ فيها ومعروف الدواليبي في الرياض وعلي الطنطاوي ومحمد أمين المصري في مكة والمدينة المنورة وآخرون كثيرون.

تجاهل المناضلين

استطاع حزب البعث أن يمسح اسم القادة السوريين من الذاكرة الوطنية، فلم يَعُدْ أحد يكترث بهؤلاء العظماء والقادة الذين ضحوا بحياتهم وأموالهم وحرياتهم من أجل حرية الوطن وسعادة المواطنين، وعلى سبيل المثال فلقد مات شكري القوتلي بعد أن أنفق ماله الخاص والمال الذي ورثه عن أخيه على الثورة ومعركة التحرير وعلى حياته بعد الاستقلال، ولم يتقاض من خزينة الدولة أي مال وتُوفي وهو لا يملك شروى نقير، ومع ذلك فقليل من يذكر هؤلاء، وهو ما يدفعني دائماً كي أسأل نفسي، كيف يمكن لشعب أن ينسى قادته؟

ما إن اندلعت المظاهرات في سورية ثم تحولت إلى ثورة حتى بتنا نشاهد فقاقيع تظهر على السطح لم يكن لها أي وجود سابق للثورة، ولم يسمع بها أحد، وتصدَّرت شخصيات من النَّكِرَات المشهد السياسي دون أن يكون لها أي مشاركة في مآسي الشعب ومشكلاته التي بدأت مع الانقلابات العسكرية وانتهت بالحكم الفاشي الاستبدادي الشمولي للبعث الذي نشر الفساد والإفساد في البلاد والعباد.

في الجانب الآخر تم تجاهل المناضلين الحقيقين الذين رافقوا مآسي الشعب منذ نعومة أظفارهم ودافعوا عن المظلومين ووقفوا في وجه الظلم والاستبداد، وتمترسوا في خنادقهم داخل الوطن ولم يهربوا من مسؤولياتهم ولم يغادروا وطنهم، ولم يحصلوا على الجنسيات الأمريكية والأوروبية وغيرها كما لم يرتبطوا بأجندات خارجية، بينما هم يرون بأم أعينهم كيف تتم محاولة محوهم من ذاكرة الوطن وإقصائهم وتهميشهم إلى الصفوف الخلفية، وكأن المعارضة السياسية تسير في هذا المجال على هدي حزب البعث، بل وكأن المخطط واحد هو إقصاء المناضلين والقادة الشرفاء وأن يَحِلَّ مَحلَّهُم مجاهيل لا ماضي لهم هذا إذا كانوا شرفاء فضلاً على أن يكونوا عملاء.

إنه فعلاً لأمر محزن ما جرى في المجلس الوطني سابقاً وما نشاهده في صورة الائتلاف الوطني حالياً ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ؟      

الخاتمة:

تظل الذاكرة الوطنية السورية مثقلة بالتحديات والصراعات التي مرّت بها البلاد، حيث تم تهميش القادة الذين ناضلوا من أجل الاستقلال. على الرغم من التضحيات الكبيرة التي قدمها هؤلاء الأبطال، فإن التاريخ غالبًا ما يُكتب بأيدي جديدة تسعى لإقصائهم. إن استمرار محاولات محو ذاكرة هؤلاء المناضلين يعكس واقعًا مؤلمًا، حيث تُعطى الأولوية لشخصيات غير معروفة لا تحمل تاريخًا نضاليًا. يتطلب الأمر جهدًا جماعيًا لإعادة الاعتبار لهؤلاء القادة، واستعادة دورهم في تشكيل مستقبل سورية. إن الاعتراف بتاريخهم هو خطوة أساسية نحو بناء هوية وطنية قوية ومتماسكة.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_هيثم_المالح_الذاكرة_الوطنية

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات