(قراءة قرآنية حضارية في مشهد التفكك والتدافع)

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_أحمد_الحاجي_إيران_بين_سطوة_الموساد_وخيانة_الجغرافيا_السياسية_قراءة_قرآنية_حضارية_في_مشهد_التفكك_والتدافع
في ظل التحولات الجيوسياسية المعقدة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، برزت أحداثٌ تُجسد صراعات عميقة تتجاوز حدود المعارك التقليدية. يأتي اغتيال العقول في قلب طهران، والذي يُعد من أعنف الضربات التي وجهها الموساد، ليكشف عن جوانب مظلمة في المنظومة الأمنية الإيرانية، ويطرح تساؤلات حول وهم القوة واستمرار أسطورة “محور المقاومة.”
تدمج هذه الأحداث بين عناصر التاريخ والدين والسياسة، مما يتيح فهمًا أعمق للصراعات الحالية، ويعكس ترابط الأبعاد الدينية والجيوسياسية. فبينما تنكشف التحالفات، تطرح الضغوط الحالية الحاجة الملحة لصياغة رؤية استراتيجية لا تعتمد على التشرذم، بل تُعزز من وحدة الصف العربي وتعيد صياغة هويته الحضارية. في هذا السياق، يستعرض المقال أبجديات هذه الصراعات وما ينتج عنها من تأثيرات على مستوى الأمة الإسلامية ومدى قدرتها على التكيف والابتكار في مواجهة التحديات.
إيران و سطوة الموساد: من اغتيال العقول إلى فضح الأوهام:
في ضربة موصوفة بأنها الأعنف منذ اغتيال محسن فخري زاده، اخترق الموساد قلب طهران، ليس عبر القصف الجوي، بل باقتلاع العقول الأمنية والعلمية من جذورها. لم يكن الأمر مجرد إنجاز استخباراتي، بل فضحاً لمنظومة أمنية طالما تغنّت بـ’’الممانعة‘‘ و’’الردع‘‘، بينما كانت تتآكل من الداخل.
وإذا كان البعض يقرأ هذا الحدث بوصفه إخفاقاً تكتيكياً، فإنه في الحقيقة يمثل كشفاً عميقاً لوهم القوة، وسقوطاً مدوّياً لأسطورة ’’محور المقاومة‘‘. وهنا تستدعي سنة التدافع القرآنية حضورها:
﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ [البقرة: 251].
فالضربات الإسرائيلية، وإن كانت في ظاهرها عدواناً، فهي في سياق سنن الله تدافع يكشف الزيف، ويمنع الطغيان المطلق، ويفضح الشعارات الجوفاء.
أولاً: صراع الصادات الثلاث: حينما اجتمعت علينا… تقهقرنا:
لا يمكن فهم المشهد الإقليمي دون ربطه بصراع الصادات الثلاث: (الصليبية (الغرب السياسي والعسكري (الصفوية (المشروع الإيراني الطائفي) الصهيونية(الاحتلال الإسرائيلي. هذا الحلف غير المعلن، حينما يتلاقى في لحظة استراتيجية، يكون العالم العربي والإسلامي هو الخاسر الأكبر. فقد اجتمعوا في العراق وسوريا، وباركوا تقويض دولٍ وشعوبٍ كاملة، تحت عناوين كاذبة كـ’’محاربة الإرهاب‘‘ أو ’’حماية الأقليات‘‘.
لكن في اللحظات التي يتصدّع فيها هذا التحالف وتختلف المصالح بين أطرافه، تستعيد الأمة شيئاً من عافيتها. فكما قال ابن خلدون: ’’الملك لا يقوم إلا بالعصبية، فإذا وهنت العصبية وُهِنت الدولة‘‘.
وما نراه اليوم من تصدع إسرائيلي – أمريكي، وتوتر خفي إيراني – روسي، هو من علامات هذه السنة التاريخية.
ثانياً: إيران… من مشروع أممي إلى ورطة جيوسياسية:
منذ الثورة الإيرانية، حاولت طهران تصدير مشروعها الأممي الطائفي عَبْرَ لافتة ’’المقاومة‘‘، فوسّعت نفوذها إلى بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء. لكنها لم تطرح نموذجاً حضارياً أو رؤية جامعة، بل فرضت هيمنة مذهبية تحت عباءة دينية، ما جعلها أداة استنزاف داخلي للعالم العربي.
لم تكن إيران خصماً لإسرائيل بقدر ما كانت شريكاً في إنتاج البيئة الفوضوية التي تحتاجها تل أبيب لبسط هيمنتها، تماماً كما يحتاج الظلام إلى الظلال.
ففي سوريا مثلاً، تقاطعت الضربات الصهيونية مع التغول الإيراني، فكان الشعب هو الضحية، بينما حافظت تل أبيب على أمنها، واستنزفت طهران خصمها ونفسها في آنٍ واحدٍ.
ثالثاً: إسرائيل… قوة استخبارات لا مشروع حضاري:
أما إسرائيل، فإنها تتقن لعبة ’’الردع بالضربة الذكية‘‘، لكنها تعجز عن إنتاج مشروع حضاري. فهي كيان حيّ على الحافة، يراكم التكنولوجيا، ويفتقر إلى الجذور. تقوم بعمليات نوعية مذهلة، لكنها تعيش تحت تهديد ديموغرافي وزلزالي داخلي.
ولذلك، فهي تبحث عن ’’حروب محسوبة‘‘ تبقي شعوب المنطقة مشغولة، وخصومها منهكين. وكما تقول القاعدة الاستراتيجية: ’’عدوك المثقل لا يستطيع النهوض ولا المقاومة، فاتركه يتعفن واقفًا‘‘.
رابعاً: الشرق يُغرى بالغرب… والغرب بالشرق:
تاريخ الأمة المعاصر يشهد دوماً لإحدى السنن الكبرى التي بيّنها القرآن في قوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ﴾ [الأنعام: 53].
لقد أُغري الشرق (إيران وأمثالها) بالغرب، فراح يتقرب للغرب تحت وهم النووي والاعتراف، لكن الغرب لم يثق به يوماً، بل استثمره فقط في تحطيم خصومه العرب. كما أغري الغرب بالشرق فابتلع الطعم، ثم فشل في إعادة تشكيل المنطقة كما يريد.
وهكذا، فإن مشهد اليوم هو نتاج تراكمات من الانخداع المتبادل بين مشاريع متضادة ومصالح متشابكة.
خامساً: الفجوة الكبرى… من يدفع الثمن؟
في لحظة التقاء الصهيوني بالصفوي، وتحت مظلة صليبية صامتة، خسر العرب مشروعهم، وتم تفكيك العراق، وتهميش سوريا، وتفجير اليمن، وتجريف لبنان. لكن التدافع لا يتوقف: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ…﴾ [الحج: 40].
واليوم، يعود الصراع ليشتد، لا من أجل تحرير فلسطين، بل لتثبيت مناطق النفوذ. فإيران ترد بصواريخ على تل أبيب، لا دفاعًا عن غزة، بل لترميم هيبتها، وإسرائيل ترد بتدمير منشآت، لا لحماية شعبها، بل لحفظ صورتها أمام الداخل المتشظي.
سادساً: ما العمل؟ خارطة طريق استراتيجية:
لا للاصطفاف خلف المشاريع المأزومة
إن الاصطفاف خلف مشروع إيران أو إسرائيل هو انتحار استراتيجي. كلاهما لا يحمل لنا إلا مزيداً من الفوضى والتفتيت. وقد آن للعرب أن يخرجوا من موقع ’’الوقود‘‘ إلى موقع ’’الفاعل‘‘.
صناعة التوازن عبر مشروع حضاري
لا بد من مشروع يزاوج بين:
1-الرؤية القرآنية للتدافع: حيث لا مكان للجمود، ولا للهيمنة، بل لصراع يُنتج العدل.
2-الرصيد الديموغرافي العربي: الذي يمثل رافعة بشرية واقتصادية هائلة.
3-الهوية الحضارية الإسلامية: الجامعة، المتجاوزة للطائفية والقطرية.
خاتمة: اللحظة الفارقة
في ظل تصدع التحالفات، واحتدام الصراعات، وانكشاف الوكلاء، تبقى فرصة العرب في بلورة مشروعهم أكبر من أي وقت مضى. فحينما تختلف الصليبية مع الصهيونية مع الصفوية، يولد فراغ، لا بُدَّ من أن يُملأ بمشروع جديد لا يعتمد على الصراخ، بل على البناء.
﴿إِنَّ ٱلْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: 128].
__________
أ.أحمد الحاجي: كاتب وباحث في السياسة الشرعية.
هذا التحليل السياسي يُعَبِّرُ عن رأي كاتبه ولا يُعَبِّرُ بالضرورة عن رأي الموقع.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_أحمد_الحاجي_إيران_بين_سطوة_الموساد_وخيانة_الجغرافيا_السياسية_قراءة_قرآنية_حضارية_في_مشهد_التفكك_والتدافع


