
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_نبيل_العتوم_إيران_تحرير_القدس_يمر_عبر_ تدمير_العرب
على مدار ثمانيةٍ وثلاثين عاماً منذ “الثورة الإسلامية”، تثير إيران تساؤلات حول دورها الفعلي في دعم القضية الفلسطينية. رغم الشعارات الجوفاء والخطب الرنانة التي تُعلن فيها تضامنها مع فلسطين، يتضح أن طهران تستغل القضية لأغراض استراتيجية بعيداً عن أي دفاع حقيقي عن القدس أو الشعب الفلسطيني. ومن خلال تمويلها للمليشيات وتنظيمات المقاومة، تسعى إيران لتعزيز نفوذها في المنطقة بدلاً من الانخراط في مواجهة مباشرة مع إسرائيل. تبيّن الأحداث أن إيران لم تحقق أي إنجازات ملموسة لصالح القضية الفلسطينية، بل وضعت مصالحها القومية فوق هذه القضية، مما يجعلها تبدو كطرف يستفيد من الصراع أكثر من كونها حليفة حقيقية للعرب في جهودهم من أجل التحرر.
إيران: من شعارات الدعم لتحرير القدس إلى تعزيز النفوذ الإقليمي
بعد ثمانيةٍ وثلاثين عاماً على ’’الثورة الإسلامية‘‘ الإيرانية، يبرز سؤال جوهري: ماذا قدّمت طهران فعلاً للقضية الفلسطينية ولتحرير القدس؟ عشنا في إيران، وسمعنا الشعارات والخطب الجوفاء والرنانة، وشهدنا تبادلاً مُحكماً للأدوار بين قادة إيران ونُخبها السياسية والعسكرية في الصراخ والعويل من أجل فلسطين، مع الادعاء بأنها القضية المركزية للثورة الإسلامية وواحدة من ثوابت سياستها الخارجية.
القضية الفلسطينية في الميزان: استغلال إيران للصراع أم دعم حقيقي؟
والأمر المؤكد أن القضية الفلسطينية تندرج ضمن بؤر اهتمام الدولة والثورة الإيرانية، إلا أن ذلك لا يأتي من زاوية الدفاع الحقيقي عن القدس والشعب الفلسطيني، ولا من باب السعي لحل قضيته العادلة أو تحرير بيت المقدس الذي لا تعترف إيران بوجوده أصلاً، بل تُوظف القضية سياسياً واستراتيجياً وفكرياً ضمن ما يمكن تسميته ’’العدة والكرستا‘‘ لتجميل صورة النظام الإيراني وتلميعه، مع الادعاء الكاذب بقيادتها ما يُعرف بـ ”محور الممانعة‘‘. والحقيقة واضحة: إيران تقود بالفعل محاور المقاومة، لكنها لم تتحمل يوماً عبء مواجهة إسرائيل بشكل مباشر. والسؤال يبقى: لماذا؟
“محور المقاومة”: هل يكرّس إيران الانقسام بين العرب وإسرائيل؟
قد يجادل البعض بأن الملالي يقدّمون الأموال والسلاح لمحور الممانعة، لكن المفارقة هي أن ما تدفعه إيران في هذا الإطار ليس سوى تكلفة ذات عائدٍ مُجدٍ ومربح، لتوظيف التنظيمات والحركات في الدفاع عن مجالها الحيوي وأمنها القومي، ضمن ما تصطلح إيران على تسميته ’’شبكة الأمان‘‘. وتترافق هذه السياسة مع دعاية سياسية مكثفة تصب في صالح النظام، تحت شعارات دعم المستضعفين والحركات التحررية وهزيمة المستكبرين.
وقد أثبتت أحداث المنطقة أن إيران وَظّفت ساحات الأزمات العربية للاتجار بها، وباتت تتصدر قائمة تجار الحروب وسماسرة الصراعات، الذين لعبوا دوراً مُخيفاً في تدمير دول محورية مثل سورية والعراق واليمن ولبنان، لإعادة هندسة المنطقة وفق مؤشرات طائفية مذهبية مدمرة، وبما يخدم مصالح القوى الإقليمية والدولية، من دون مراعاة مصالح الشعوب العربية، التي أصبحت أحد أهداف الطرح والسحق. وبفضل هذه السياسات، باتت القضية الفلسطينية في ذيل أولويات إيران بِلا مُنَازِع.
بين البروباكندا والتوظيف: كيف تستخدم إيران القضية الفلسطينية؟
ويُدرك كل متابع أن القواسم المشتركة بين إيران وإسرائيل كثيرة، وأن شعارات ’’الموت لإسرائيل‘‘ ليست سوى بروباغندا سياسية قذرة تصب في صالح الطرفين. منذ انتصار الثورة وحتى اليوم، تتاجر طهران بهذه الشعارات لكسب تعاطف الشعوب العربية والإسلامية المغلوبة على أمرها. وفي المقابل، تستفيد إسرائيل من هذه المزاعم، لأنها لا ترغب بوجود غطاء عربي للقضية الفلسطينية، بل تريد صراعاً على رعايتها بين العرب وإيران وتركيا. كما تستخدم تل أبيب هذه المزاعم لتضخيم ’’الخطر الإيراني‘‘، والحصول على دعم مالي وعسكري واسع، ومن ضمن ذلك أحدث الطائرات القتالية مثل ’’إف – 35‘‘.
إيران وإسرائيل: قواسم مشتركة تحت شعار “الموت لإسرائيل”
أما أوراق إيران التفاوضية – من ’’حزب الله‘‘ بفروعه إلى ’’الحشد الشعبي‘‘ وغيرها – فهي أدوات ابتزاز للعرب والغرب معاً، تُستخدم لانتزاع مكاسب إقليمية تخدم المشروع التوسعي الإيراني. فمن دون نفوذها في دول حيوية مثل لبنان واليمن وسورية، لم تكن إيران لتنتزع الاعتراف بدورها الإقليمي أو ببرنامجها النووي.
هل يمكن تصور أن إيران قد تكون حليفاً موثوقاً للعرب، أو أن مشروعها الصاروخي والنووي والفضائي موجّه فعلياً ضد إسرائيل؟ يكفي أن نتذكر الاستعراضات العسكرية للجيش الإيراني، الذي هدّد بدك الرياض والخليج بعد الكشف عن منشأة ’’عماد‘‘ الصاروخية، التي لم تُعلن إيران عن وجودها أصلاً خلال ذروة التوتر مع إسرائيل، أو أثناء الاعتداءات على غزة ولبنان.
السياسة الإيرانية: استبدال القدس بمصالح إقليمية
المؤكد أن القدرات العسكرية الإيرانية موجّهة لتخويف الدول العربية وردعها، فإيران التي صدّعت رؤوسنا بإنجازاتها الصاروخية لم تطلق طلقة واحدة تجاه إسرائيل، بينما مارس ’’فيلق القدس‘‘ القتل والذبح في سورية والعراق ولبنان.
أما الحروب الإعلامية والعسكرية لحسن نصرالله ضد إسرائيل، فهي حروب وكالة دفاعاً عن الولي الفقيه، وقد خلّفت ثأراً شعبياً عربياً وإسلامياً، مع مرتزقة حزب الله الذين أصبحوا أدوات إيران للانتقام من الخصوم والشعوب والحركات التحررية، ولذبح العرب ’’السنّة‘‘.
وخلال هذا العام، شَهِد ’’يوم القدس‘‘ مظاهر لافتة، حيث جابت المسيرات شوارع طهران بهتافات ضد السعودية وداعش والتكفيريين بدلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل. أطلقت إيران صواريخها البالستية ’’ذو الفقار‘‘ على دير الزور، وأطلقت مليشيا الحوثي – برعاية إيرانية – 84 صاروخاً على السعودية، بينها ثلاثة استهدفت مكة المكرمة. كما سُجِّلَ أسوأ اختراق للأمن القومي العربي مع ضبط 11 خلية نائمة إيرانية، أبرزها خلية العبدلي في الكويت.
وفي هذا العام أيضاً انضمت 31 ميليشيا متعددة الجنسيات – عدا الإيراني – لإنعاش ما يُسمى بمحور ’’المقاومة الإسلامية العالمية‘‘.
تجار الحروب: كيف تلاعبت إيران بصراعات المنطقة؟
وتعدّدت ’’الطرق الإيرانية إلى القدس‘‘ في البروباغندا الرسمية؛ فبعد أن كانت الطريق تمر عَبْرَ بغداد، أصبحت تمر عَبْرَ بيروت ودمشق وحلب ودير الزور والمنامة وصنعاء والكويت، بانتظار أسماء أخرى. وفي الوقت نفسه ظهرت لوحة ضخمة للعدّ العكسي ’’لتدمير إسرائيل‘‘، من دون أن تكشف إيران عن الطريق.
وللمفارقة، صدرت سمفونية موحدة من الولي الفقيه وأتباعه في لبنان والعراق واليمن، تحذر من ’’بزوغ حركات إرهابية جديدة‘‘ ستنقضّ على المنطقة وشعوبها، وتحثّ الجميع على حماية إيران حتى تدافع عن أمن المنطقة واستقرارها. ولا شكَّ أن هذه المعزوفة من التهديدات تُمثّل لحظة حاسمة في نبرة إيران العدائية، لا تهدف إلا إلى تدمير المنطقة واستنزافها تحت شعار كاذب عنوانه: ’’الطريق إلى القدس وتحريرها‘‘.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_تحليل_سياسي_نبيل_العتوم_إيران_تحرير_القدس_يمر_عبر_ تدمير_العرب


